التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
اختارت جمهورية البندقية واحدًا من أعظم دبلوماسيِّيها في آخر عام 1478م ليُجري مباحثات السلام مع السلطان محمد الفاتح.
اختارت جمهوريَّة البندقية واحدًا من أعظم دبلوماسيِّيها، وهو چيوڤاني داريو Giovanni Dario، سكرتير مجلس الشيوخ البندقي، في آخر عام 1478م[1] أي في شهر ديسمبر، ليُجري مباحثات السلام مع السلطان محمد الفاتح، وكما يُؤكِّد بابينجر فإنَّ الجمهوريَّة أعطته صلاحيَّات لإجراء المباحثات لم تُعطها قبل ذلك في كلِّ تاريخها لأحد الدبلوماسيِّين، والسبب -كما يُؤكِّد بابينجر- هو الوضع الرهيب أو المفزع (Terrible situation) الذي وصلت إليه الجمهوريَّة بعد هذه الحرب، وكان عليها إزاء ذلك أن تنسى تمامًا مجدها السابق[2]!
كان واضحًا من إرسال هذا الدبلوماسي الكبير بهذه الصلاحيَّات أنَّ البندقية تسعى في هذه المباحثات إلى أمرين لا ثالث لهما: الأوَّل هو وقف الحرب، والثاني هو ضمان استمرار العمليَّات التجاريَّة البندقية في الشرق؛ لأنَّ هذا هو مصدر حياتهم الرئيس؛ فهم يقومون بدور الوسيط بين آسيا وأوروبا عن طريق البحرين الأسود والأبيض، وفي حالة توقُّف هذا الدور تنهار الجمهوريَّة تمامًا. هكذا ذهب چيوڤاني داريو في مهمَّةٍ واضحة المعالم، وعلى الأغلب سيقبل الفاتح تحقيق هذين المطلبين في مقابل شروط كبيرة وقاسية، لكنَّها على كلِّ حالٍ ستكون أفضل للجمهوريَّة البندقية من وضعها المزري الذي وصلت له.
هكذا كانت نفسيَّة المفاوض البندقي الكبير..
استمرَّت المفاوضات بين الطرفين شهرًا كاملًا، وأخيرًا في (2 ذي القعدة 883هـ الموافق 25 يناير 1479م)[3][4][5][6] وصل الفريقان إلى اتِّفاقٍ نهائيٍّ من عدَّة بنود، ومع أنَّه ليس في أيدينا نصُّ الوثيقة التي تُوضِّح عدد البنود، ومحتوى كلِّ بندٍ في المعاهدة، فإنَّنا يُمكن أن نحصر الشروط والالتزامات التي اتَّفق عليها الطرفان من خلال المصادر المختلفة في بنودٍ محدَّدةٍ واضحة، وسوف نسرد هنا هذه البنود، ثم نقوم بالتعليق عليها بعد ذلك.
البند الأوَّل: تتوقَّف كلُّ العمليَّات الحربيَّة بين الفريقين[7].
البند الثاني: تسليم شقودرة وما حولها للدولة العثمانيَّة[8].
البند الثالث: تعترف البندقية بملكية الدولة العثمانيَّة لنيجروبونتي وكرويه، وتتخلَّى عن أيِّ مطالباتٍ بهما في المستقبل[9].
البند الرابع: يُعيد كلُّ طرفٍ إلى الآخر البلادَ والقلاعَ التي أخذها في خلال الستَّة عشر عامًا الماضية؛ أي منذ عام 1463م حتى لحظة توقيع المعاهدة، وذلك باستثناء نيجروبونتي وكرويه[10].
البند الخامس: تدفع البندقية إلى الدولة العثمانيَّة مبلغ مائة ألف دوكا ذهبيَّة في خلال عامين[11][12]، وتختلف المصادر في تعليل هذا الرقم، وسنأتي إلى شرح سببه في التعليقات على البنود بعد الانتهاء من ذكرها إن شاء الله.
البند السادس: تدفع البندقية مبلغ عشرة آلاف دوكا ذهبيَّة سنويًّا إلى الدولة العثمانية في مقابل حريَّة التجارة في موانئ الدولة كلِّها، مع الإعفاء الجمركي على الاستيراد والتصدير[13][14][15].
البند السابع: يختار الطرفان حَكَمًا، أو مجموعة من الحكَّام؛ لترسيم الحدود بين الدولتين على أساس الحدود التي كانت بينهما قبل الحرب، وتُوضَع كوماتٌ من الأحجار أو ما شابه على هذه الحدود[16].
البند الثامن: تُعَيِّن البندقية سفيرًا لها في إسطنبول (كما كان الحال قبل الحرب)، وبالإضافة إلى مهامه الدبلوماسية فإنه يختصُّ بالمسائل القضائيَّة المدنيَّة التي تنشأ بين البنادقة في الدولة العثمانيَّة[17].
البند التاسع: يتم تبادل الأسرى بين الدولتين[18].
البند العاشر: يدخل في المعاهدة كلُّ الدول والإمارات التابعة لكلِّ دولة[19].
البند الحادي عشر: تُستثنى إمارة زيتا (التي كانت تابعةً للبندقية) من هذه المعاهدة[20].
كانت هذه هي المعاهدة المهمَّة للغاية التي وُقِّعَت بين الدولة العثمانيَّة وجمهوريَّة البندقية لتُنهي حربًا طويلةً مريرةً دامت ستَّة عشر عامًا كاملة، ولنا مع هذه المعاهدة عدَّة تعليقات مهمَّة:
أوَّلًا: يُجْمع المؤرِّخون على أنَّ هذه المعاهدة خسارةٌ كبيرةٌ للبندقيَّة، وأنَّها أُجْبِرت عليها نتيجة الانتصارات العثمانيَّة المتتالية، وتفاوتت توصيفات المؤرِّخين للحدث، ولكنَّهم جميعًا يَعُدُّونها نقطة تحوُّلٍ في تاريخ البندقية بشكلٍ خاص، وأوروبا بشكلٍ عامٍّ. يقول المؤرِّخ الأميركي چون فريلي John Freely: «أقنعت غاراتُ الأتراك على الفريولي وتقدُّم العثمانيِّين في ألبانيا جمهوريَّةَ البندقية أن ترضخ أخيرًا -بعد ستَّة عشر عامًا من الحرب- لشروط محمد الفاتح»[21]. ووصف المؤرِّخ الألماني بابينجر الشروط التي وضعها الفاتح على البندقية أنَّها قاسية (Harsh conditions)[22]، ويرى المؤرِّخ الأميركي چوناثان إيجلز Jonathan Eagles أنَّ البندقية وقَّعت على معاهدةٍ أعطت العثمانيِّين السيطرة على بحر إيجة[23]، ويرى المؤرِّخ الأميركي ستانفورد شو Stanford Shaw أنَّ البندقية قد طُوِّقَت بوضوح بفتوحات محمد الفاتح ممَّا دفعها لطلب السلام مع إسطنبول[24]، أمَّا أكثر المؤرِّخين الغربيِّين حزنًا لهذه المعاهدة، ورؤيةً لآثارها السلبيَّة على البندقية وأوروبا، فكان المؤرِّخ الأسكتلندي هوراشيو براون Horatio Brown، وهو من مؤرِّخي القرن التاسع عشر، وقد عاش جانبًا كبيرًا من حياته في البندقية، وتخصَّص في تاريخ إيطاليا، وبشكلٍ أخص في تاريخ البندقية[25]، فقال: «وهكذا بعد ستَّة عشر عامًا من الحرب المستمرَّة عقدت البندقية سلامًا كارثيًّا، حرمها من جانبٍ كبيرٍ من إمبراطوريَّتها في بلاد الشرق، وجعلها تابعةً للأباطرة الجدد في القسطنطينية». ثم يقول وهو ينعي حال البندقية: «لقد دافعت البندقية في حروبها عن أوروبا، ووُعِدت من جانبهم بالعون، ومع ذلك فقد هجروها عند أوَّل احتياج. لقد قاتلت البندقية بشجاعة، وأنفقت الأموال والرِّجال حتى استنزفت كلَّ مواردها، وحينها عقدت أفضل سلامٍ في استطاعتها، ومع ذلك فقد اتَّهمتها أوروبا كلُّها بالخيانة للعقيدة المسيحية»[26]!
هكذا كان وَقْعُ المعاهدة على أوروبا، ممَّا يكشف لنا عن قيمتها الحقيقيَّة في التاريخ.
ثانيًا: كشفت هذه المعاهدة عن التغيير الجذري الذي حدث في موازين القوى في أوروبا لصالح الدولة العثمانيَّة؛ فقد استطاعت الدولة أن تُزيح من طريقها واحدةً من أعتى قوى أوروبا في ذلك الزمن، وهي القوة التي كانت المموِّل الرئيس للحملات الصليبيَّة على الشام ومصر سابقًا، والأناضول والبلقان حاليًّا، ولم تكن هذه الإزاحة مؤقَّتة، بل دامت عقودًا طويلة؛ فأوَّل حربٍ خاضتها البندقية من جديدٍ ضدَّ الدولة العثمانيَّة كانت بعد عشرين سنةً كاملةً (في 1499م)، ولم تكن حربًا شرسةً يُمكن أن تُؤثِّر في الدولة العثمانيَّة؛ بل انتهت باستسلام البندقية مرَّةً أخرى في غضون أربع سنوات، ولم تقوَ البندقية على مجابهة العثمانيِّين بقوَّةٍ إلَّا بعد قرابة قرن، وتحديدًا في موقعة ليبانتو عام 1571م؛ أي بعد اثنتين وتسعين سنةً من معاهدة القسطنطينية. هذا بالنسبة إلى قوة البندقية، ولكن الأهم من ذلك أنَّ المعاهدة كانت سببًا في حدوث انقساماتٍ كثيرةٍ في أوروبا، ولم يكن البابا قادرًا على جمع شمل المتفرِّقين، وهذه الانقسامات التي تزامنت مع تنامي قوَّة الجيش العثماني كانت سببًا في فتح الباب أمام الدولة العثمانيَّة لدخول عالم الإمبراطوريَّات؛ حيث ستصل الدولة في القرن السادس عشر (الذي نحن على أبوابه بعد المعاهدة) إلى عصرها الذهبي من ناحية المساحة، والقوَّة العسكريَّة، والنفوذ العالمي، ولا يخفى على أحد الأثرُ الذي أحدثته المعاهدة ومن قبلها الحرب الطويلة في هذا الأمر.
ثالثًا: أقرَّ البنادقة في هذه المعاهدة بتسليم مدينة شقودرة وقلعتها للفاتح! وهي المدينة التي عجز الملوك والقادة عن فتحها، وكانت بحصانتها الطبيعيَّة -إلى جوار حصانتها الهندسيَّة والمعماريَّة- أقوى من القسطنطينية، وهذا أثلج صدر الفاتح كثيرًا، حتى إنَّ المؤرِّخ التركي عاشق زاده يقول: «إنَّ كلَّ فتوحات الفاتح قد اكتملت بسقوط شقودرة»[27]، مع أنَّ الفاتح حقَّق قبلها فتوحات عظيمة جليلة، مثل فتح القسطنطينية، واليونان، وطرابزون، والبوسنة، وصربيا، والقرم، ولكن هذه المدينة الحصينة كانت كاللَّبِنة التي تُكمل بناء فتوحات الفاتح رحمه الله، ولم تكن هذه هي رؤية المؤرخين الأتراك فقط، بل يرى الغربيون كذلك أن شقودرة ليست مدينة عادية في ألبانيا، إنما كانت قلعتها مقرًّا لأمراء ألبانيا في العصور المختلفة، ومن ثم فإن سقوطها كان يعني انتهاء عصر المجد بالنسبة للألبان[28]. ومع ذلك لم تكن أهميَّة شقودرة في أنَّها تُحقِّق فتح ألبانيا فقط؛ ولكن لأنَّها محطةٌ مهمَّةٌ جدًّا بالقرب من ساحل الأدرياتيكي، وبالتالي فهي محطَّةٌ في الطريق إلى إيطاليا بشكلٍ عامٍّ وروما بشكلٍ خاص، وهذا ما دعا عاشق زاده أن يُؤكِّد أنَّ شقودرة هي الأمل في المرور إلى أراضي إيطاليا[29]؛ لأنَّ السفن التي ستغزو إيطاليا تحتاج إلى قواعد قويَّة لتموين الأساطيل العسكريَّة، كما تحتاج إلى مكانٍ آمنٍ تنسحب إليه بسرعةٍ في حال حدوث أزمة، بالإضافة إلى أنَّ الانطلاق من هذه القواعد القريبة من إيطاليا سيُحقِّق عنصر المفاجأة للإيطاليِّين، فتكون فرصة الانتصار عليهم أكبر، وهذا التقدير لقيمة شقودرة بالنسبة إلى فتح إيطاليا معروفٌ عند الدولة العثمانيَّة منذ زمن، وليس فقط في حِصار شقودرة الأخير؛ فقد نقل المؤرخ الإيطالي چورچ ميرولا George Merula -الذي كان في داخل شقودرة أثناء حصارها الأوَّل عام (887هـ= 1474م)- أنَّ الجيش العثماني كان يهتف في محاولاته لفتح المدينة قائلًا: «إلى روما.. إلى روما»[30]! فهذا يُوضِّح الرؤية العثمانيَّة للحدث، وواضحٌ أنَّ الجنود لا يهتفون هكذا من تلقاء أنفسهم، بل كان هذا توجُّهًا معروفًا ومعلنًا للسلطان الفاتح بشكلٍ خاص، وللدولة العثمانيَّة بشكلٍ عامٍّ.
رابعًا: نصَّت المعاهدة على أنَّ البندقية ستُسَلِّم شقودرة وما حولها للدولة العثمانيَّة، وكلمة «ما حولها» هذه كانت تعني عدَّة مدن في الناحية الشماليَّة لألبانيا، وأهمها مدينة ليزهي Lezhe، التي فتحها العثمانيُّون في سبتمبر 1478م، ولم ترضخ لعمليَّات تبادل المدن التي حدثت بين العثمانيِّين والبنادقة بعد المعاهدة، ممَّا يعني أنَّها داخلة في إطار «بند شقودرة»، وما قلناه عن ليزهي ينطبق كذلك على مدينة درشت Drisht، كما ينطبق على القلاع الصغيرة الأخرى التي فُتحت أثناء عمليَّة سيطرة العثمانيِّين على ألبانيا قبل حِصار شقودرة، وهذا ما يؤُكِّده المؤرِّخ الألباني أليكس بودا من أنَّ البندقية اعترفت بعد المعاهدة بسيادة السلطان الفاتح على شقودرة وكرويه و«غيرها من المدن» التي سقطت في الحرب[31]. هذا كلُّه يعني أنَّ محمدًا الفاتح يُعَدُّ هو الفاتح الحقيقي لألبانيا، مع أنَّ الدولة العثمانيَّة دخلت هذه الدولة منذ عام 1385[32]، أي منذ ما يقرب من قرنٍ كامل، لكن لم تُصبح السيطرة حقيقيَّة إلَّا بعد الفتح الأخير، ومع هذا فهناك بعض المدن الألبانيَّة ظلَّت في حوزة البنادقة بعد هذه المعاهدة، وهي المدن التي لم تدخلها القوَّات العثمانيَّة حتى لحظة توقيع المعاهدة، مثل مدينة دوريس Durrës وغيرها، وسنأتي لحصر هذه المدن الألبانيَّة في نقطةٍ قادمةٍ إن شاء الله.
خامسًا: ماذا عن أهل شقودرة بشكلٍ خاص، وأهل ألبانيا بشكلٍ عامٍّ، بعد هذه المعاهدة؟
كان أهل شقودرة لا يشعرون بالأمان تجاه حكومة البندقية؛ وذلك لأنَّ الجمهوريَّة لم تبذل محاولات جدِّيَّة لرفع الحصار، أو لتقديم المساعدة[33]، ولذلك لم يكن مستغرَبًا أنَّ أهل شقودرة -كما يصف عاشق زاده- قد سعوا إلى إجراء مباحثاتٍ خاصَّةٍ بهم مع قوَّات كديك أحمد باشا المحاصِرة لهم، وقد عرضوا على الجيش العثماني -وذلك غالبًا دون علمهم بمباحثات السلام الدائرة بين العثمانيِّين والبنادقة- أنْ يُسلِّموا المدينة في مقابل الأمان لأنفسهم وممتلكاتهم، وفي مقابل كذلك أن يُعطَوا الحريَّة في الاختيار بين البقاء في المدينة تحت حكم العثمانيِّين، أو الرحيل إلى أيِّ مكانٍ آخر يُريدونه، ويذكر عاشق زاده أنَّ كديك أحمد باشا نقل هذا الطلب إلى إسطنبول، وأقرَّه الفاتح رحمه الله، وفتح أهل المدينة أبوابها للجيش العثماني[34]. ويبدو أنَّ هذا الإجراء تمَّ بعد شهر أبريل عام 1479م؛ لأنَّ معاهدة السلام لم تُفعَّل إلَّا بعد أن أُكِّدت بتوقيع رئيس جمهوريَّة البندقية مع وفدٍ عثمانيٍّ بقيادة لطفي بك ترجمان الدولة، في مدينة البندقية ذاتها، وكان هذا في (2 صفر 884هـ الموافق 25 أبريل 1479م)[35]، ولم يُشَرْ في هذا اليوم إلى أنَّ شقودرة قد سُلِّمَت بالفعل إلى العثمانيِّين، ممَّا يعني أنَّ هذا التسليم كان بعد توقيع المعاهدة؛ أي بعد آخر أبريل 1479م.
وماذا حدث بعد فتح المدينة لأبوابها؟!
يذكر مارين بارليتي، القس الألباني، أنَّ كلَّ سكَّان شقودرة اختاروا الهجرة إلى إيطاليا[36]، وكان عددهم أربعمائة وخمسين رجلًا، بالإضافة إلى مائة وخمسين امرأة، هذا غير الأطفال[37]، أمَّا بالنسبة إلى أهل ألبانيا بشكلٍ عامٍّ فقد اختلف ردُّ فعلهم بعد المعاهدة ووقف الحرب؛ فكثيرٌ منهم قرَّر البقاء في البلاد تحت الحكم الإسلامي[38]، بينما فضَّل بعضهم الهجرة إلى إيطاليا[39][40]، ويذكر بابينجر أنَّ العثمانيِّين أجبروا بعض العائلات على الهجرة[41]، ولو صحَّ هذا الخبر فلعلَّه قد حدث مع بعض الرموز التي اختارت استمرار المقاومة المسلَّحة، خاصَّة أنَّ بعض المصادر أكَّدت أنَّ بعض الألبان لم يقبلوا هذه المعاهدة، وانسحبوا إلى الجبال ليستمرُّوا في مقاومة العثمانيِّين عسكريًّا[42]، وذكرت مصادر أخرى أنَّ هذه المقاومة استمرَّت إلى أوائل القرن السابع عشر[43].
ويذكر بابينجر أنَّ بعض الألبان اختار اعتناق الإسلام بعد انتهاء الحرب[44]، ومع ذلك فمن المعروف أنَّ إسلام أهل ألبانيا قد تأخَّر إلى القرن السابع عشر[45]، وليس هذا فقط؛ بل كان إسلام أهل شمال ألبانيا أبطأ من إسلام أهل الوسط أو الجنوب[46]، وهذا يرجع بوضوح إلى الحرب المستعرة التي دارت بين العثمانيِّين والألبان في خلال التمرد الألباني من عام 1443م إلى عام 1479م؛ أي ستَّة وثلاثين عامًا كاملًا، فهذه الدماء الكثيرة، وهذه الحروب التي أخذت شكلًا دينيًّا واضحًا، كانت سببًا في هذا التأخير.
سادسًا: أحد أكبر علامات انتصار الدولة العثمانيَّة في هذه المعاهدة هو اعتراف جمهوريَّة البندقية بملكية العثمانيِّين لشبه جزيرة نيجروبونتي اليونانيَّة، ومدينة كرويه الألبانيَّة؛ فالأولى كانت المركز الرئيس للبندقيَّة في الشرق، وهم يمتلكونها منذ عام 1390م بشكلٍ كامل[47]، وكان سقوطها في يد الدولة العثمانيَّة عام (875هـ= 1470م) كارثةً كبيرةً على البنادقة، بل على أوروبا، ومع أنَّها سقطت في يد العثمانيِّين أثناء الحرب الأخيرة -أي بين 1463م و1479م- فإنَّها لم تخضع لمسألة التبادل التي أقرَّها الطرفان، وهذا يدلُّ على هيمنة الدولة العثمانيَّة على المعاهدة، وفَرْضِها للشروط التي تُريد، والكلام نفسه يُقال على مدينة كرويه التي سقطت في يد الدولة العثمانيَّة في فترة الحرب الأخيرة، ومع ذلك قَبِلَت البندقية عدم استردادها، وهذا في الواقع حمل رسائل معنويَّة كبيرة؛ فنيجروبونتي تُمثِّل الهيمنة الأوروبيَّة على الشرق الإسلامي، حيث كانت أهمَّ مستعمرات البندقية إلى درجة أنَّ حكَّامها كانوا يُسَمَّون ملوكًا، وعُرِفَت في التاريخ بمملكة نيجروبونتي[48]، فكان سقوطها في يد العثمانيِّين بشارةً بعودة الهيمنة الإسلاميَّة على الشرق، أمَّا سقوط كرويه فكان يحمل رسالةً كبيرةً كذلك؛ حيث كانت تُمثِّل عند الألبان والبنادقة وكلِّ الأوروبيِّين، مركز الصمود النصراني ضدَّ الفتح الإسلامي، ولا ينسى الأوروبيُّون مقاومة إسكندر بك بها منذ عام 1443م حتى وفاته 1468م، فكان سقوطها في يد العثمانيِّين إشارةً إلى استقرار الإسلام في البلقان بشكلٍ لا يُمكن اقتلاعه بسهولة، على الأقل لعدَّة عقود، أو قرون قادمة!
سابعًا: نصَّ البند الرابع من المعاهدة على أن يتبادل الطرفان القلاع والمدن التي سُيْطِر عليها من الطرف الآخر خلال الحرب الأخيرة (باستثناء نيجروبونتي وكرويه)، وهذا البند أعاد للدولة العثمانيَّة عدَّة أماكن مهمَّة للغاية، كان أهمُّها على الإطلاق مكانين: الأوَّل هو جزيرة ليمنوس Lemnos، والثاني هو المرتفعات الجبليَّة في جنوب غرب المورة اليونانيَّة، والمعروفة باسم «ماينا» Maina.
أمَّا المكان الأوَّل (جزيرة ليمنوس) فهي جزيرةٌ استراتيجيَّةٌ للغاية؛ حيث تقع في مدخل مضيق الدردنيل، ومِنْ ثَمَّ فالسيطرة عليها تعني السيطرة على الحركة الملاحيَّة في المضايق والبحر الأسود، كما يعني التهديد المباشر للعاصمة إسطنبول، بالإضافة إلى أنَّ الجزيرة تتحكَّم في الملاحة في شمال بحر إيجة كلِّه، فهي تُهدِّد كذلك السواحل الغربيَّة للأناضول، والسواحل الجنوبيَّة للروملي، والسواحل الشرقيَّة للمورة، وكانت الجزيرة تحت حكم الدولة العثمانيَّة منذ سنة 1456م[49]، ولأهميَّتها القصوى فإنَّ البابا كاليكستوس الثالث Callixtus III أرسل لها أسطولًا حربيًّا سيطر عليها في عام 1457م[50]، ولكن هذا كان لفترةٍ محدودةٍ جدًّا؛ إذ استعادها العثمانيُّون في العام نفسه[51]، إلى أن وقعت في يد البنادقة في الحرب الأخيرة عام 1464م، فكانت إعادة هذه الجزيرة تُمثِّل إعادة الروح للمضايق البحريَّة، وتأمين الملاحة في بحر إيجة، والحفاظ على العاصمة العثمانيَّة، وهي كلُّها أمورٌ تمسُّ الأمن القومي العثماني بشكلٍ مباشر.
أمَّا المكان الثاني فهو النتوء الجبلي في جنوب غرب المورة اليونانيَّة والمعروف باسم «ماينا»، وهو يُعْرَف الآن باسم شبه جزيرة ماني Mani peninsula، وهذا نتوءٌ استراتيجيٌّ للغاية؛ حيث إنَّه يُسيطر على الملاحة في مدخل البحر الأيوني الذي يقود إلى البحر الأدرياتيكي، كما أنَّه مؤثِّرٌ جدًّا في السيطرة على الملاحة في البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى قربه من جزيرة كريت الواقعة تحت سيطرة البندقية، وهذا كلُّه يعني أنَّه لو كانت هناك طموحات للدولة العثمانيَّة في غزو إيطاليا لاحقًا فإنَّه لا بُدَّ لها من السيطرة على هذا النتوء الجبلي المهم لتأمين حركة أساطيلها في البحار القريبة؛ أعني المتوسِّط، والأيوني، والأدرياتيكي، كما أنَّ هذه المنطقة تُمثِّل نقطة انطلاق لجزيرة كريت في حال قرَّر العثمانيُّون غزوها مستقبلًا. يُضاف إلى هذه الأهميَّة القصوى عاملٌ آخر خَطِر جدًّا، وهو أنَّ هناك بعض الأماكن في هذه المنطقة الجبليَّة لا يُمكن الوصول إليها عن طريق البر (اليوناني)؛ فهي مناطق على شاطئ البحر محميَّة بالجبال العالية خلفها، وبالتالي لا تستطيع الجيوش العثمانيَّة البرِّيَّة الوصول إليها، فلو قامت البحريَّة البندقية أو الأوروبيَّة بحماية هذه الشواطئ، سيُصبح من العسير جدًّا إسقاطها إلَّا بمعونة إسطولٍ عملاقٍ لا يعتمد على أيِّ مساندةٍ برِّيَّة. لهذا كلِّه كان استرداد العثمانيِّين لهذه المنطقة أمرًا رائعًا في المعاهدة.
هذان هما أهمُّ مكانين أعادتهما البندقية إلى الدولة العثمانيَّة، ومع ذلك فقد كانت هناك أماكن أخرى غيرهما أُعيدت للعثمانيِّين؛ وقد جاء في بعض المصادر ذكر بعض هذه الأماكن، مثل قرية ساچيادا Sagiada على الساحل اليوناني في مواجهة جزيرة كورفو Corfu في البحر الأيوني، ومثل جزيرتي ثاسوس Thasos، وإيڤروس Evros، في شمال بحر إيجة[52].
ثامنًا: كما أعادت جمهوريَّة البندقية للعثمانيِّين الأماكن التي احتلَّتها في الحرب الأخيرة، قامت الدولة العثمانيَّة بإعادة بعض الأماكن بدورها إلى البندقية، وقد ذكرت المصادر على وجه الإجمال دون تفصيل أنَّ العثمانيِّين أعادوا للبنادقة أماكن في المورة، وألبانيا، ودالماسيا[53]، ومع ذلك فهناك تفصيلات واضحة بالأماكن التي في حوزة البنادقة بعد عام 1479م، دون تحديد ما كان معها قبل الحرب، وما استردَّته من الدولة العثمانيَّة بعد المعاهدة، وسنسرد هنا الأماكن التي تهمنا في المسألة، وهي الأماكن الموجودة في داخل إطار الدولة العثمانيَّة، أو قريبًا جدًّا منها؛ لنعلم الوضع الذي استقرَّت عليه الأمور بعد المعاهدة، أعني أن بعض هذه الأماكن أعادتها الدولة العثمانية للبندقية بعد أن سيطرت عليها فترة، وبعضها كانت تمتلكه البندقية من البداية قبل الحرب، وقد قمت بجمع هذه الأماكن من عدَّة مصادر مثل: بابينجر[54]، وسيتون[55]، وميلر[56]، وهي كالآتي:
1. موانئ على شواطئ شبه جزيرة المورة اليونانيَّة، مثل نافبليو Nafplio التي كانت تُعرف بنوبليا Nauplia، ومودون Modon، وكورون Coron، ومونمڤاسيا Monemvasia، وناڤارينو Navarino وهي تُعرف الآن ببيلوس Pylos، بالإضافة إلى مدينة ليبانتو Lepanto، وتقع في الأرض اليونانيَّة مقابل شمال شبه جزيرة المورة، وهي معروفةٌ الآن بنافباكتوس Nafpaktos.
2. موانئ على شاطئ ألبانيا، وأهمُّها دوريس Durrës.
3. كلُّ موانئ الجبل الأسود على الأدرياتيكي، وهي: كوتور Kotor، وبودڤا Budva، وأنتيباري Antibari وهي معروفةٌ الآن ببار Bar، وأولسيني Ulcinj، وباستروڤيتش Paštrović.
4. كل سواحل دالماسيا، باستثناء جمهوريَّة راجوزا التابعة للعثمانيِّين، وكانت تدفع إليها الجزية.
5. ثلاث جزر من جزر البحر الأيوني، وهي: كورفو Corfu، وباكسي Paxi، وكيثيرا Kythera.
6. بعض جزر بحر إيجة، وأهمها: ميكونوس Mykonos، وتينوس Tinos، وسكياثوس Skiathos، وكذلك سكوبيلوس Skopelos.
7. جزيرة كريت المهمَّة وما حولها من جزرٍ صغيرة.
هذه هي ممتلكات البندقية بعد المعاهدة، ويتبيَّن منها أنَّ الجمهوريَّة ما زالت تُسيطر سيطرةً شبه كاملة على سواحل البحر الأدرياتيكي والأيوني، وذلك باستثناء منطقة محدودة من هذين البحرين صارت مع الدولة العثمانيَّة، وهي منطقة شقودرة وليزهي في شمال ألبانيا، كما أنَّ البندقية تُسيطر كذلك على سواحل اليونان على البحر الأبيض المتوسط، بينما صارت السيطرة في بحر إيجة في غالبها للدولة العثمانيَّة باستثناء بعض الجزر غير ذات أهميَّة كبرى للبندقيَّة.
تاسعًا: ستدفع البندقية مبلغ مائة ألف دوكا ذهبيَّة على مدار سنتين من توقيع المعاهدة، وهو مبلغٌ كبيرٌ للغاية، ولكي نُدرك قيمة هذا المبلغ آنذاك يكفي أن نعلم أنَّ الجزية السنويَّة التي كانت على إمارة الإفلاق مثلًا كانت ثلاثة آلاف دوكا فقط، وهي الجزية نفسها التي كانت مضروبة على إمارة البغدان[57]، ولقد كانت الدولة العثمانيَّة تُواجه مشكلات اقتصاديَّة في هذا التوقيت نتيجة الإنفاق الباهظ على الحملات العسكريَّة المتتالية، فجاء هذا المبلغ الكبير ليُنعش الخزانة العثمانيَّة، فتغيَّر الموقف الاقتصادي لصالحها بشكلٍ ملحوظ[58]. أمَّا تبرير دفع هذا الرقم الضخم فهو مختلفٌ بين المؤرِّخين؛ فالمؤرِّخ الأميركي چون فريلي يرى أنه تعويضٌ عن الخسائر التي تعرَّضت لها الدولة العثمانيَّة أثناء الحرب (reparation)[59]، وكذلك يرى المؤرِّخ الچورچي ألكسندر ميكابريدز Alexander Mikaberidze[60]، بينما يرى المؤرِّخ الأميركي سيتون أنه كان سدادًا لدَيْنٍ كان على جمهوريَّة البندقية، وهذا الدَيْن كان بسبب هروب اثنين من التجَّار البنادقة هما بارتولوميو زورزي Bartolommeo Zorzi وچيرولامو ميشيل Girolamo Michiel، وكانا يؤجِّران مناجم الشبِّ في الدولة العثمانيَّة، ثم هربا من إسطنبول بعد اندلاع الحرب ولم يدفعا قيمة الإيجار[61]، ويرى بابينجر أنَّ هذا الدَّيْن كان مائة وخمسين ألف دوكا، وأنَّ هذا الرقم المدفوع في المعاهدة كان جزءًا منه[62].
وفي كلِّ الأحوال فقبول البندقية لدفع هذا المبلغ -سواءٌ أكان تعويضًا للدولة العثمانيَّة، أم لسداد ديون بعض تجَّارها- لهو دلالةٌ على قوَّة موقف الدولة العثمانيَّة، وهو في الوقت نفسه تعميقٌ لخسارة البندقية.
عاشرًا: قَبِلَت البندقية أن تدفع مبلغًا ثابتًا عن كلِّ سنةٍ قادمةٍ كضريبةٍ على تجارتها في الموانئ والمدن العثمانيَّة، وهذا المبلغ كان عشرة آلاف دوكا ذهبيَّة سنويًّا، وهو مبلغٌ كبيرٌ كذلك، خاصَّةً أنَّه لا يُغْلِق على الدولة العثمانيَّة أبواب التعامل التجاري مع الجمهوريَّات الإيطاليَّة الأخرى، التي تُنافس البندقية، مثل: چنوة، وفلورنسا، وميلانو، وهذا يدلُّ على مدى رغبة البندقية في عودة الأمور إلى طبيعتها مع العثمانيِّين مهما كان الثمن.
ويلفت النظر أيضًا أنَّ الدولة العثمانيَّة كانت حريصةً على تحديد هذا الاتِّفاق بسنواتٍ معيَّنة؛ فقد ورد أنَّ هذا الاتِّفاق كان ساريًا لمدَّة ثماني سنوات فقط[63]؛ وذلك حتى لا يكون الأمر مُلْزِمًا للدولة العثمانيَّة لفترةٍ طويلةٍ قد تتغيَّر فيها الظروف، أو تتغيَّر قيمة العملة، أو غير ذلك من الأمور.
حادي عشر: رُسِّمت الحدودُ بين الدولة العثمانيَّة والبندقية في هدوءٍ في غالب الأمر، ولم تحدث مشكلات إلَّا في حالتين فقط؛ كانت الأولى حول مدينة نوبليا في المورة، التي احتفظت بها البندقية؛ حيث دارت مناقشات كثيرة حول محيط هذه المدينة، وما يُمكن أن تضمَّه إليها من الأراضي اليونانيَّة، وكان من المتوقَّع أن تحدث مثل هذه المشكلات في هذه المنطقة؛ لوجودها أوَّلًا في عمق الأراضي العثمانيَّة شرق المورة، وثانيًا لوجود عدَّة قلاعٍ حصينةٍ للغاية فيها، مثل: قلعة ثيرميسي Thermisi، وقلعة كيڤيري Kiveri، وثالثًا لوجود عدَّة أحواضٍ غنيَّةٍ بالملح في المنطقة نفسها، أمَّا الحالة الثانية التي حدث فيها خلاف فكانت خاصَّة بمدينة مونمڤاسيا Monemvasia، التي كانت كانت أيضًا في حوزة البندقية؛ حيث اختلف المتفاوضون على ضمِّ منطقة فاتيكا Vatika -وهي المعروفة الآن بڤواز Voies- إلى المدينة، وقد انتهت هذه المشكلات لصالح البندقية بعد كثيرٍ من الجدل[64]، ولعلَّ هذا الجدل هو السبب في تأخير تسليم هذه المناطق إلى عام 1480[65].
ثاني عشر: لم ترَ الدولة العثمانيَّة بأسًا في وجود سفيرٍ بندقيٍّ في إسطنبول له اختصاصاتٌ قضائيَّة، ويُمكنه الفصل في القضايا المدنيَّة التي تتعلَّق بالبنادقة في الدولة العثمانيَّة؛ لأنَّه من الناحية التجاريَّة فإنَّ هذا أدعى إلى استقرار الأمور بين التجار البنادقة الذين سيتحاكمون إلى قانونهم البندقي، ولن يضرَّ هذا الدولةَ العثمانيَّة في شيءٍ لأنَّها ليست طرفًا في هذه المنازعات، أمَّا إذا كان هناك طرفٌ عثمانيٌّ في الاختلاف فإنَّ التحاكم حينئذٍ يكون عند المحاكم الشرعيَّة العثمانيَّة. هذا من الناحية التجارية، أمَّا من الناحية الدينيَّة فإنَّ المشاكل التي تنشأ بين البنادقة يكون حلُّها عن طريق المذهب الكاثوليكي الذي ينتمي إليه كلُّ أهل البندقية، وهو مذهبٌ لا يتحاكم به النصارى في الدولة العثمانيَّة؛ حيث إنَّ أغلبهم من الأرثوذكس، فكان المنهج العثماني الدائم، الذي يُتيح الحريَّة الدينيَّة الكاملة لأصحاب الأديان الأخرى غير الإسلام في التحاكم لقواعد دينهم، كان هذا المنهج داعيًا إلى قبول تحاكم البنادقة إلى مذهبهم الكاثوليكي، ولهذا قَبِل السلطان محمد الفاتح وجود مثل هذا السفير البندقي للقيام بهذا الدور المهم. أمَّا من الناحية السياسيَّة فوجود سفيرٍ دائمٍ في إسطنبول سيُؤدِّي إلى عدم تفاقم المشكلات التي تظهر بين الدولتين من آنٍ إلى آخر، خاصَّةً مع تباعد المسافات بين إسطنبول وڤينيسيا، وعدم وجود اتصالات سريعة تُتيح حلَّ المشكلات الطارئة، وحيث إنَّ البلدين خرجا لتوِّهما من معارك طاحنة طويلة كان لا بُدَّ من وجود مثل هذا السفير لتقليل فرصة عودة التوتُّر مرَّةً أخرى، ولإعطاء فرصة للحلول الدبلوماسيَّة مستقبلًا.
ثالث عشر: نصَّت المعاهدة على دخول الإمارات التابعة لكلِّ دولةٍ في المعاهدة، وهذا أدَّى إلى دخول إمارة ناكسوس Naxos -التي تُسيطر على جزر السيكلادس Cyclades في بحر إيجة- في المعاهدة، وكانت الدولة العثمانيَّة قد سيطرت على الإمارة أثناء الحرب، ومِنْ ثَمَّ انسحب الأسطول العثماني من ناكسوس بعد إتمام المعاهدة[66]، لتعود إلى حكم عائلة كرسبو Crispo، وهي من العائلات البندقية، وهذا أعطى عمرًا إضافيًّا إلى الإمارة يبلغ سبعة وثمانين عامًا! حيث لم تدخل في حوزة الدولة العثمانيَّة إلَّا في عام 1566م في عهد السلطان سليم الثاني[67].
رابع عشر: تخلَّت البندقية بشكلٍ فاضحٍ عن حليفها إيڤان كرنويڤيتش أمير زيتا (في جمهوريَّة الجبل الأسود الآن)، وقَبِلَت أن تُستثنى من المعاهدة، مع أنَّها كانت تابعةً للبندقيَّة منذ عام 1466م، وحاربت العثمانيِّين كثيرًا لصالح البنادقة، ويبدو أنَّ السرَّ وراء ذلك أنَّ البندقية كانت على خلافٍ قديمٍ مع الأمير إيڤان، إلى درجة أنَّه كان مطلوبَ الرأس عام 1465م[68]، وقد اضطرَّ إيڤان إلى الدخول في حلف البندقية عندما خاف من تهديد العثمانيِّين، ولكنَّه لم يكن على صفاءٍ كاملٍ مع البنادقة، وقد رغبت الدولة العثمانيَّة في استثناء إمارة زيتا من المعاهدة لأنَّ الحرب بينها وإمارة زيتا طويلةٌ وتاريخيَّة، ويُقال: إنَّ والد إيڤان -وهو استيفان كرنويڤيتش Stefan Crnojević- حارب العثمانيِّين في أكثر من خمسين معركة[69]، بالإضافة إلى وجود علاقةٍ أسريَّةٍ حميمةٍ بين إيڤان كرنويڤيتش وإسكندر بك المتمرِّد الألباني الأسبق ورمز المقاومة في ألبانيا؛ فأمُّ إيڤان مارا كاستريوتي Mara Kastrioti هي أخت إسكندر بك[70]، فليس من المستبعد أن يُحاول إيڤان استعادة دور خاله إسكندر بك في المنطقة، ولهذا كان لا بُدَّ للدولة العثمانيَّة من استكمال عمليَّاتها الحربيَّة ضدَّ إيڤان. يُضاف إلى ما سبق وعورةُ الموقع الجغرافي لإمارة زيتا الجبليَّة، وستكون مهمَّة البندقية صعبةً للغاية في حال اضطرارها إلى الحرب إلى جوار إيڤان إذا استمرَّت الحرب بينه والعثمانيِّين، ولهذا قبلت البندقية استثناءَ إمارة زيتا من المعاهدة.
أدرك إيڤان كرنويڤيتش بعد المعاهدة أنَّ مصيره محتوم؛ فهو لن يقوى على قتال الدولة العثمانيَّة بمفرده، ولهذا فبمجرَّد توقيع المعاهدة هرب الأمير إلى إيطاليا لاجئًا، ولن يعود إلى زيتا إلَّا بعد وفاة السلطان الفاتح[71]، وهذا أتاح للدولة العثمانيَّة التوسُّع في بعض المناطق التي كان يحكمها.
خامس عشر: لم يحدث توتُّرٌ بين الدولتين العثمانيَّة والبندقية بعد المعاهدة أثناء عمليَّة تطبيق البنود المختلفة، اللهمَّ إلَّا في حادثةٍ واحدة، عندما رفض أحدُ القادة العسكريِّين اليونانيِّين، وهو كروكوديلوس كلاداس Krokodeilos Kladas -وكان حليفًا للبنادقة- بنودَ المعاهدة، وبالتالي رفض تسليم القلاع التي كانت تحت يده للعثمانيِّين[72]، ثُمَّ هرب هذا القائد إلى مدينة كورون التابعة للبندقيَّة، ومنها قاد ثورةً على العثمانيِّين في منطقة ماينا Maina الجبليَّة، التي أعادها البنادقة للعثمانيِّين، وكان من الممكن أن يكون الأمر عاديًّا دون تصعيدٍ يُذْكر لولا أنَّ أحد القادة العسكريِّين الألبان والعاملين في جيش البندقية، وهو ثيودور بُوا Theodore Bua، انضمَّ إلى ثورة كلاداس، ممَّا وضع البندقية في حرجٍ شديد، واضطرَّها إلى تجريد حملةٍ للقبض على رجلها ثيودور بُوا، وحبسه في مونمڤاسيا، أمَّا كلاداس فقد تكفَّلت الدولة العثمانيَّة بمطاردته، فاضطرَّ إلى الهرب إلى مملكة نابولي، حيث قاتل في صفِّها ضدَّ العثمانيِّين بعد ذلك[73].
لقد بدا واضحًا من هذه الحادثة مدى حرص البنادقة على استمرار السلام مع العثمانيِّين، وهو ما كان يتوافق مع رغبة الدولة العثمانيَّة التي كانت تُريد هدوءًا على جبهة البندقية ليُعطيها فرصةً لفتح ملفَّاتٍ أخرى مغلقة منذ حين!
سادس عشر: أكثر الناس غضبًا من هذه المعاهدة -بعد حكومة البندقية- كان ملك المجر ماتياس! لقد هاج وماج، ولم يجعل غضبه على البندقية فقط؛ بل أعلن غضبه كذلك على البابا سيكستوس الرابع الذي سمح بتوقيع مثل هذه المعاهدة، وذكر أنه -متحدِّثًا عن نفسه- كمسيحي جيِّد رفض كلَّ عروض السلام التي قدَّمها له الفاتح خلال السنوات الثلاث السابقة، وأنَّه كان ينبغي للأمراء الأوروبيِّين أن يحذوا حذوه، ويرفضوا السلام مع الدولة العثمانيَّة. وكان غضب ملك المجر نذيرًا بحدوث انشقاق في أوروبا، وهذا دعا كرادلة روما إلى كتابة رسالةٍ مطوَّلةٍ إليه يُحاولون فيها تبرير موقف البابا، وأنَّ الضغوط على البندقية والبابا كانت كبيرةً للغاية، ولم يكن هناك من سبيلٍ سوى الذي حدث[74].
والواقع أنَّ ملك المجر لم يكن غاضبًا من أجل المسيحية؛ فهو يمارس قتالًا واسعًا ضدَّ إمبراطور الدولة الرومانيَّة المقدَّسة، المعقل السياسي والعسكري الأساس للنصرانية، ويتوسَّع قدر استطاعته في الأراضي المسيحية المجاورة له، ويُمارس ضغطًا كبيرًا على شعبه من أجل طموحاته المـَلَكيَّة، حتى قال استيفين زابوليا Stephen Zápolya -وهو كبير رجال البلاط المجري، ووالد الملك المجري الشهير چون زابوليا John Zápolya- بعد وفاة ماتياس: «لقد رفع موت ماتياس المعاناة والظلم عن شعب المجر»[75]. ويُؤكِّد المؤرِّخ المجري أندراس كيوبيني András Kubinyi أنَّ اليتامى والأرامل كانوا يلعنون ماتياس بسبب ضرائبه الباهظة[76]! فليس هذا الملك الظالم هو مَن يتحرَّك من أجل المسيحية، ولكن كلَّ ما هنالك أنَّ الملك شعر أنَّ الدولة العثمانيَّة بعد أن فرغت من مسألة البندقية، وأَمِنَت جانبها بمعاهدة السلام، فإنَّها ستتوجَّه بقوَّتها العسكريَّة كلِّها إليه هو، وهذا يُمكن أن يكون خطرًا للغاية، خاصَّةً بعد أن رأى بنفسه حملات العثمانيِّين في الفريولي شمال شرق إيطاليا، بل سكت هو قبل ذلك على اختراقات العثمانيِّين لبلاده يوم كانت هذه الاختراقات تتَّجه إلى البندقية، أمَّا الآن فقد يكون هو القِبْلَة القادمة للدولة العثمانيَّة، وهو ما دفعه إلى اتِّخاذ هذا الموقف الغاضب.
كان شعور ملك المجر بالقلق دافعًا له لعقد عدَّة معاهدات تدعم من موقفه العسكري في حال دخوله في حربٍ مع الدولة العثمانيَّة؛ فكانت أولى هذه المعاهدات مع الاتحاد السويسري Swiss Confederacy في 26 مارس 1479م، وهو اتِّحادٌ مكوَّنٌ من عدَّة إمارات صغيرة تقع في وسط سويسرا، ولم تكن دولة سويسرا قد تكوَّنت بعد، وكانت هذه المنطقة مشهورة بتوفير الجنود المرتزقة، فكانت هذه المعاهدة بغرض تأمين توفير الجنود، بالإضافة إلى منع الاتحاد السويسري من توفير مرتزقة لأعداء ماتياس[77]؛ وكانت المعاهدة الثانية مع رئيس أساقفة سالزبورج Salzburg النمساويَّة، وهو برنارد ڤون روهر Bernhard von Rohr، وقد استغلَّ فيها الملك ماتياس وقوع خلافٍ بين رئيس الأساقفة وإمبراطور النمسا فريدريك الثالث، فعقد هذه المعاهدة، وكان من نتيجتها إعطاء الملك ماتياس سيطرةً على عدَّة قلاع في النمسا وسلوڤينيا، ممَّا يُقوِّي جبهته الجنوبيَّة في مواجهة العثمانيِّين[78]، وهو بذلك يتجنَّب اختراقات جديدة للدولة العثمانيَّة كالتي حدثت في صيفي (1477م، 1478م)، ووصلت إلى شمال شرق إيطاليا؛ أمَّا المعاهدة الثالثة فكانت مهمَّةً جدًّا، وأثبتت القلق الشديد عند ملك المجر؛ إذ عقدها مع عدوِّه اللدود كازيمير الرابع ملك بولندا، وكان هذا في أبريل 1479م[79]، وكان غرضها الاتحاد معه في مواجهة العثمانيِّين، أو على الأقل تحييد جانبه إذ ما انفرد ماتياس بحرب الدولة العثمانيَّة.
لم يكتفِ ماتياس بعقد هذه المعاهدات العسكريَّة؛ إنَّما أخذ بعض الخطوات التي تنبئ بوضوح عن تحفُّزه ضدَّ العثمانيِّين، وتوقُّعه لصدامٍ قريبٍ قد يكون كبيرًا، فكان من هذه الخطوات أنَّه وحَّد خمس مناطق عسكريَّة في جنوب بلاده (أي على الحدود مع الدولة العثمانيَّة) في كيانٍ واحدٍ عسكريٍّ كبيرٍ تحت قيادة أحد أبرز قادته العسكريِّين، وهو بول كينيزي Paul Kinizsi، حتى يُمكن لهذا القائد أن يُدير عمليَّاته الحربيَّة بكفاءةٍ أكبر، وهذه المناطق العسكريَّة الخمس هي من الشرق إلى الغرب على النحو التالي: دروبيتا Drobeta، وبلجراد Belgrade، وشاباك Šabac، وسريبرينيك Srebrenik، وأخيرًا يايسي Jajce[80]، وهذه المناطق تقع الآن في غرب رومانيا، وشمال صربيا، وشمال البوسنة، وهي مواجهةٌ لولايات الإفلاق، وصربيا، والبوسنة، في الدولة العثمانية.
ومن الخطوات أيضًا التي أخذها ماتياس أنَّه غيَّر القيادة في إمارة ترانسلڤانيا المواجهة لإمارة الإفلاق العثمانيَّة؛ فوضع على قمَّتها استيفين باثوري Stephen Báthory[81]، وكان استيفين باثوري قد قاتل العثمانيِّين قبل ذلك عام 1476م مع دراكولا الثالث عند محاولة الأخير السيطرة على عرش الإفلاق، وكان ماتياس يرى في استيفين باثوري إمكانات كبيرة، خاصَّةً أنَّه من عائلة مجريَّة قويَّة يُمكن أن تُمثِّل دعمًا قويًّا، هي عائلة إكسيد Ecsed[82]، وقد جعل ماتياس ولاية استيفين باثوري على ترانسلڤانيا ولايةً كاملةً إلى آخر حياته[83]، ممَّا يُحفِّزه على الحفاظ على هذه الولاية في معاركه القادمة ضدَّ العثمانيِّين.
وليس هذا فقط؛ بل أخذ ماتياس خطوةً أخرى هي أكثر عدائيَّة من كلِّ خطواته السابقة، أَلَا وهي إرسال دعمٍ عسكريٍّ لاستيفين الثالث أمير البغدان المنشقِّ عن الدولة العثمانيَّة[84]، وصاحب الصدامات المتتالية مع العثمانيِّين في عامي 1475م، و1476م، وهذا في حدِّ ذاته تصعيدٌ كبيرٌ قد يستدعي بمفرده حربًا حقيقيَّة.
هذه هي حالة مملكة المجر بعد المعاهدة مع البندقية، وكانت كلُّ المؤشِّرات تُنذر أنَّ هناك حربًا قريبةً ستكون بين هذه المملكة والدولة العثمانيَّة، ولكن يبقى فقط تحديد المكان والزمان!
سابع عشر: كما تَرَكَت معاهدة البندقية أثرًا واضحًا في ملك المجر، فإنَّها تركت أثرًا كذلك في استيفين الثالث أمير البغدان! لقد ترك الفاتح مسألة البغدان دون حلٍّ لانشغاله بحرب البندقية، ثم ظهر أمام أوروبا كلِّها كيف استطاع السلطان العثماني القدير أن يُرْغِمَ البندقية على التراجع أمامه في أكثر من ميدان، وسمعوا جميعًا عن غارات العثمانيِّين الناجحة في إيطاليا، والنمسا، وسلوڤينيا، فإذا كان الفاتح قادرًا على كلِّ ذلك، فأمْرُ البغدان لا شَكَّ أهون! هكذا فكَّر استيفين الثالث، ولذلك فهو لم يصبر حتى تُعْقَد المعاهدة بين الدولة العثمانيَّة والبندقية؛ إنَّما تحرك فورًا بمجرَّد علمه بوصول مبعوث البندقية إلى إسطنبول لإجراء مباحثات السلام! لقد ذهب إلى كازيمير الرابع ملك بولندا وجدَّد ولاءه له في معاهدة تبعيَّةٍ وُقِّعَت في 22 يناير 1479م؛ أي قبل معاهدة الدولة العثمانيَّة مع البندقية بثلاثة أيَّام[85]. لقد صار استيفين الثالث متَّكئًا إِذَنْ على حليفين قويَّين: ملك بولندا، وملك المجر، ومع هذا فهو لم يشعر بالأمان قط؛ لأنَّ تاريخه مع الدولة العثمانيَّة عدائيٌّ جدًّا، وكان يخشى بقوَّة من انتقام السلطان الفاتح، وهذا دفعه إلى أمرٍ غريب! إذ بَعَثَ -على الرغم من حِلفه مع بولندا والمجر- إلى السلطان الفاتح يطلب التفاوض في مباحثات سلامٍ معه، بل عَرَضَ مضاعفة الجزية[86]! وكان لا بُدَّ للفاتح أن يُفكِّر في الأمر؛ فاستيفين الثالث غيرُ مضمون، ومع ذلك فمسألة المجر أكثر إلحاحًا من مسألة البغدان، وهكذا لا بُدَّ من إعادة الحسابات لتحقيق أفضل النتائج في ضوء المعطيات الجديدة التي طرأت على أوروبا بعد المعاهدة المهمَّة.
هذه هي معاهدة البندقية التي هزَّت أوروبا!
لقد ذكرنا في التحليل السابق سبعة عشر نقطة مهمَّة كتعليق على نتائج هذه المعاهدة المهمَّة، ولا شَكَّ أنَّ في ذهن الفاتح أضعاف هذه النقاط، فهذه هي حياته.. من جهاد إلى جهاد، ومن معاهدة إلى أخرى، ومن أزمةٍ إلى ثانية، فما الخطوة التالية في قصَّة هذا السلطان الكبير، أو كما الأوروبيُّون يُطلقون عليه: «التركي الكبير» (The Grand Turk)[87]. هذا هو موضوع المقال القادم[88].
[1] Freely John The Grand Turk: Sultan Mehmet II, Conqueror of Constantinople and Master of an Empire An Empire And Lord Of Two Seas [Book]. - New York : The Overlook Press, 2009, 2009, p. 144.
[2] Babinger Franz Mehmed the Conqueror and His Time [Book]. - [s.l.] : Princeton University Press, 1978, p. 368.
[3] Shaw Stanford Jay and Shaw Ezel Kural History of the Ottoman Empire and Modern Turkey: Empire of the Gazis - The Rise and Decline of the Ottoman Empire, 1280–1808 [Book]. - [s.l.] : Cambridge University Press., 1976, vol. 1, p. 69.
[4] Setton Kenneth Meyer The Papacy and the Levant, 1204-1571: The fifteenth century [Book]. - [s.l.] : American Philosophical Society, 1976, vol. 2, p. 328.
[5] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، المترجمون عدنان محمود سلمان و مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري. - إستانبول : مؤسسة فيصل للتمويل، 1988م صفحة 1/167.
[6] إسماعيل سرهنك حقائق الأخبار عن دول البحار، مصر: مطابع الأميرية، بولاق، 1895م صفحة 1/517.
[7] Freely, 2009, p. 144.
[8] Babinger, 1978, p. 369.
[9] Freely, 2009, p. 144.
[10] Babinger, 1978, p. 369.
[11]Fabris Pedani and Pia Maria XV-XVIII. Yüzyılda Osmanlı-Venedik İlişkileri [Book Section] // Osmanlı / book auth. Yayınları Yeni Türkiye. - Ankara : Yeni Türkiye Yayınları, 1999, vol. 1, pp. 259-264.
[12] Babinger, 1978, p. 369.
[13] Setton, 1976, vol. 2, p. 328.
[14] محمد بك فريد تاريخ الدولة العلية العثمانية، المترجمون تحقيق: إحسان حقي. - بيروت، لبنان : دار النفائس، 1981م صفحة 175.
[15] سرهنك، 1895م صفحة 1/517.
[16]Mikaberidze Alexander Conflict and Conquest in the Islamic World: A Historical Encyclopedia [Book]. - California, USA : ABC-CLIO, 2011, 2011, vol. 1, p. 917.
[17] Babinger, 1978, p. 369.
[18] Fabris, 1999, vol. 1, pp. 259-264.
[19] Babinger, 1978, p. 369.
[20] Božić Ivan НЕМИРНО ПОМОРЈЕ XV BEKA Nemirno pomorje XV veka (in Serbian) [Book]. - Beograd : Srpska književna zadruga, 1979, p. 129.
[21] Freely, 2009, p. 144.
[22] Babinger, 1978, p. 369.
[23]Eagles Jonathan Stephen the Great and Balkan Nationalism: Moldova and Eastern European History [Book]. - [s.l.] : I.B. Tauris, 2014, p. 216.
[24] Shaw, et al., 1976, vol. 1, p. 69.
[25]Pemble John Brown Horatio Robert Forbes (1854–1926) [Book Section] // Oxford Dictionary of National Biography / book auth. Press Oxford University. - [s.l.] : Oxford University Press, 2004.
[26] Brown Horatio Forbes Venice: An Historical Sketch of the Republic [Book]. - London, UK : Percival And company, 1893, p. 318.
[27]Hosaflook David Marin Barleti: The Siege of Shkodra: Albania's Courageous Stand Against Ottoman Conquest, 1478 [Book]. - Albania : Onufri Publishing House, 2012, p. 216.
[28] Chauvin Loïc and Raby Christian Marubi, a Dynasty of Albanian Photographers: Një Dinasti Fotografësh Shqiptar [Book] / trans. Douard Translated into English by Stèphane. - Paris, France : Ècrits de lumière, 2011, p. 12.
[29] Pulaha Selami [Albanian-Turkish Wars in the Fifteenth Century: Ottoman Sources] Lufta shqiptaro-turke në shekullin XV. Burime Osmane [Book]. - [s.l.] : Tirana: Universiteti Shtetëror, 1968, p. 72.
[30] Hosaflook, 2012, pp. 183-184.
[31] Hosaflook, 2012, p. 23.
[32] Zhelyazkova Antonina Albania and Albanian Identities [Book]. - [s.l.] : IMIR, Sofia, 2000, p. 14.
[33] Hosaflook, 2012, p. 23.
[34] Hosaflook, 2012, p. 216.
[35] Freely, 2009, p. 144.
[36] Hosaflook, 2012, p. 208.
[37] Hosaflook, 2012, p. 24.
[38] Babinger, 1978, p. 372.
[39]Nasse George Nicholas The Italo-Albanian Villages of Southern Italy [Book]. - Washington, District of Columbia : National Academy of Sciences-National Research Council, 1964, pp. 24-26.
[40] سرهنك، 1895م صفحة 1/517.
[41] Babinger, 1978, p. 370.
[42] Shpuza Gazmend La Lutte pour la défense de Shkodër dans années 1474 et 1478–1479 [Book Section] // Studia Albanica. - [s.l.] : L'Institut, 1968, pp. 181-190.
[43] Pulaha, 1974, pp. 3-8.
[44] Babinger, 1978, p. 372.
[45] Minkov Anton Conversion to Islam in the Balkans [Book]. - [s.l.] : BRILL, 2004, pp. 41-42.
[46] Ramet Sabrina Nihil obstat: religion, politics, and social change in East-Central Europe and Russia [Book]. - Durham : Duke University Press, 1998, pp. 209-210..
[47] Arbel Benjamin Venice's Maritime Empire in the Early Modern Period [Book Section] // A Companion to Venetian History, 1400-1797 / book auth. Dursteler Eric. - Leiden, The Netherlands : BRILL, 2013, p. 136
[48] Darby William Darby's Universal Gazetteer [Book]. - [s.l.] : Philadelphia : Bennett & Walton, 1827, p. 527.
[49]Kramers J. H Limni [Book Section] // The encyclopaedia of Islām / book auth. International Association of Academies. - Leiden: BRILL : E.J. Brill's, 1987, pp. 27-28.
[50] De Groot A. H Limni [Book Section] // The Encyclopaedia of Islam, New Edition / book auth. Bosworth C. E. [et al.]. - Leiden: E. J. Brill : Khe–Mahi, 1986, pp. 763-764.
[51] Kramers, 1987, pp. 27-28.
[52] Arbel, 2013, pp. 134-136.
[53] Babinger, 1978, p. 369.
[54] Babinger, 1978, p. 371.
[55] Setton, 1976, vol. 2, p. 330.
[56] Miller William The Latins in the Levant: A History of Frankish Greece (1204–1566) [Book]. - New Yourk : E. P. Dutton and Company, 1908, p. 481.
[57] بيتر شوجر أوروبا العثمانية 1354 - 1804، المترجمون عاصم الدسوقي. - القاهرة : دار الثقافة الجديدة ، 1998م صفحة 144.
[58] Babinger, 1978, p. 367.
[59] Freely, 2009, p. 144.
[60] Mikaberidze, 2011, vol. 1, p. 917.
[61] Setton, 1976, vol. 2, p. 328.
[62] Babinger, 1978, p. 369.
[63] Spandounes Theodore On the Origins of the Ottoman Emperors [Book] / ed. Nicol Donald M. / trans. Nicol Donald M.. - [s.l.] : Cambridge University Press, 1997, p. 49.
[64] Miller, 1908, p. 481.
[65] Babinger, 1978, p. 371.
[66] Miller, 1908, p. 612.
[67] Miller, 1908, p. 637.
[68] Samardžić Radovan [et al.] Историја српског народа: шест књига: Доба борби за очување и обнову државе (1371-1537) [History of the Serbian People: The Age of Struggle for Preservation and Restoration of the State 1371-1537] Istorija srpskog naroda (in Serbian) [Book]. - Belgrade : Srpska književna zadruga., 1982, p. 398.
[69] Morrison Kenneth Montenegro: A Modern History [Book]. - New York, USA : I.B. Tauris, 2009, p. 17.
[70] Spandounes, 1997, p. 96.
[71] Božić, 1979, p. 129.
[72] Cheetham Nicolas Mediaeval Greece [Book]. - [s.l.] : Connecticut: Yale University Press, 1981, p. 249.
[73] Setton, 1976, vol. 2, pp. 328-329.
[74] Babinger, 1978, p. 373.
[75] Engel Pál The Realm of St Stephen: A History of Medieval Hungary, 895–1526 [Book]. - London, UK : I.B. Tauris Publishers, 2001, p. 345.
[76] Kubinyi András Matthias Rex [Book] / trans. Gane Andrew T.. - Budapest : Balassi Kiadó, 2008, p. 166.
[77] E. Kovács Péter Matthias Corvinus, (in Hungarian) [Book]. - [s.l.] : Officina Nova, 1990, p. 120.
[78] Engel, 2001, p. 306.
[79] Ciobanu Veniamin The Equilibrium policy of the Romanian principalities in East-Central Europe, 1444–1485 [Book Section] // Dracula: Essays on the Life and Times of Vlad Țepeș / book auth. Treptow Kurt W. - [s.l.] : East European Monographs, Columbia University Press, 1991, p. 49.
[80] Engel, 2001, p. 309.
[81] McNally Raymond T. and Florescu Radu In Search of Dracula: The History of Dracula and Vampires [Book]. - [s.l.] : Houghton Mifflin Harcourt., 1994, p. 102.
[82]Ripley George and Dana Charles Anderson The American Cyclopaedia: A Popular Dictionary of General Knowledge [Book]. - New York : D. Appleton and company., 1881, vol. 2, p. 389.
[83] Florescu, et al., 1989, p. 172.
[84] Engel, 2001, p. 308.
[85] Ciobanu, 1991, p. 49.
[86] Eagles, 2014, p. 216.
[87] Freely, 2009, p. 1.
[88] دكتور راغب السرجاني: قصة السلطان محمد الفاتح، مكتبة الصفا، القاهرة، الطبعة الأولى، 1441هـ= 2019م، 2/ 665- 682.
التعليقات
إرسال تعليقك